بين حقوق الإنسان والإفلات من العقاب.. تقرير أممي يرصد الانتهاكات في كمبوديا

بين حقوق الإنسان والإفلات من العقاب.. تقرير أممي يرصد الانتهاكات في كمبوديا
كمبوديا - أرشيف

عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60، التي تتواصل في جنيف حتى 8 أكتوبر المقبل. وفي هذا السياق، قُدّم تقرير المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في كمبوديا، البروفيسور فيتيت مونتاربورن، الذي يغطي الفترة من يونيو 2024 حتى أوائل يونيو 2025. 

وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، فإن حالة حقوق الإنسان في كمبوديا ما زالت تتأرجح بين المأزق والإفلات من العقاب، وسط تضييقات متصاعدة على الفضاء المدني والسياسي، وانتهاكات متواصلة تطول الصحفيين والمعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان.

وأشار التقرير إلى أن الفضاء المدني في كمبوديا يعاني من قيود خانقة، حيث تواصل السلطات استخدام التشريعات المقيدة لتقويض حرية التنظيم والتجمع السلمي.

وأوضح المقرر الخاص أن الأحزاب المعارضة، وعلى رأسها «حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي» المنحل، ما زالت محرومة من المشاركة السياسية، ما انعكس على نزاهة العملية الانتخابية

واعتبر أن الانتخابات الأخيرة جرت في بيئة غير متكافئة، تميزت بسيطرة الحزب الحاكم على المشهد، وإقصاء المنافسين الفعليين، بما يقوض الثقة في المؤسسات الديمقراطية.

وأكد التقرير أن العديد من الشخصيات السياسية المعارضة تعرضت للاعتقال والملاحقة القضائية بتهم وُصفت بأنها مسيسة، مثل «التآمر» أو «التحريض». كما جرى التضييق على الجمعيات والنقابات المستقلة، ما خلق مناخًا من الخوف والرقابة الذاتية داخل المجتمع المدني.

حرية التعبير تحت الحصار

ووثق المقرر الخاص استمرار القيود المفروضة على حرية الإعلام، حيث أُغلقت عدة مؤسسات صحفية أو فُرضت عليها غرامات وعقوبات إدارية تعجيزية، كما سُجلت اعتقالات في صفوف الصحفيين المستقلين بتهم «التشهير» أو «نشر أخبار كاذبة»، في حين حُجب عدد من المنصات الإلكترونية، ما ضيق نطاق حرية التعبير.

وأشار التقرير إلى أن البيئة الإعلامية أصبحت مهددة بفعل هذه التدابير، إذ يخشى الصحفيون التبعات القانونية والأمنية لأي تغطية ناقدة للحكومة أو سياساتها، ورأى المقرر الخاص أن هذه السياسات تستهدف إسكات الأصوات المستقلة، بما يحرم المجتمع من تداول حر ومفتوح للأفكار.

ولفت التقرير إلى أن المدافعين عن حقوق الإنسان أصبحوا هدفًا مباشرًا للسلطات، حيث تعرضوا لمضايقات متكررة، شملت الاعتقال التعسفي والتحقيقات المطولة.

وأوضح أن هذه الممارسات أدت إلى تضييق المجال أمام العمل الحقوقي، وأجبرت العديد من النشطاء على العمل في ظروف سرية أو حتى مغادرة البلاد.

وأكد المقرر الخاص أن استمرار استهداف المدافعين عن الحقوق يفاقم أزمة الثقة بين المجتمع المدني والسلطات، ويقوّض فرص بناء شراكات وطنية لمعالجة التحديات الحقوقية.

حقوق المرأة والفئات المهمشة

ورغم بعض الخطوات الشكلية نحو تحسين تمثيل المرأة في الحياة العامة، أشار التقرير إلى أن النساء ما زلن يواجهن تمييزًا بنيويًا يحد من وصولهن إلى مواقع صنع القرار، ما أشار إلى انتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي، وسط ضعف الاستجابات المؤسسية لحماية الضحايا ومحاسبة الجناة.

أما الأقليات والشعوب الأصلية، فذكر التقرير أنها تعرضت لانتهاكات جسيمة، خاصة في ما يتعلق بالأراضي والموارد الطبيعية، فقد سُجلت عمليات إخلاء قسري لأجل مشاريع استثمارية وشركات كبرى، ما حرم السكان من أراضيهم ومصادر رزقهم التقليدية.

وأفرد التقرير مساحة لأوضاع السجون، مشيرًا إلى أنها تعاني من الاكتظاظ الشديد وظروف غير إنسانية، بما في ذلك ضعف الرعاية الصحية وسوء التغذية. كما أشار إلى غياب برامج إعادة التأهيل، ما يجعل السجون بيئة تعزز الانتهاكات بدلًا من أن تكون إطارًا للإصلاح.

وأضاف أن الاحتجاز التعسفي لا يزال ممارسة متكررة، إذ يُستخدم أداة لمعاقبة المعارضين السياسيين والنشطاء، في غياب ضمانات المحاكمة العادلة.

الأراضي والموارد الطبيعية

وسلط التقرير الضوء على ملف الأراضي بوصفه أحد أخطر أوجه الانتهاكات. فقد أشار إلى أن الحكومة منحت امتيازات واسعة لشركات استثمارية، ما أدى إلى تهجير جماعي للسكان، خصوصًا من المجتمعات الأصلية.

وأكد المقرر الخاص أن هذه السياسات تُنفذ دون استشارات حقيقية مع المتضررين، وغالبًا دون تعويض عادل، بما يمثل انتهاكًا مباشرًا لحقوق الملكية والسكن والعمل.

وكشف التقرير أن كمبوديا أصبحت مركزًا متناميًا لشبكات إجرامية تستغل الأجانب والمهاجرين في أعمال احتيالية عبر الإنترنت، في ظروف تشبه الاتجار بالبشر والعمل القسري.

وأوضح أن هذه الشبكات تعمل في ظل ضعف الرقابة وتواطؤ بعض المسؤولين، ما يجعلها تهديدًا حقوقيًا وأمنيًا عابرًا للحدود.

ودعا المقرر الخاص الحكومة إلى تكثيف التعاون مع المجتمع الدولي لمكافحة هذه الظاهرة، وتقديم الحماية والدعم للضحايا، بدلًا من معاملتهم كمجرمين.

الإفلات من العقاب

وأبرز التقرير أن النظام القضائي في كمبوديا لا يزال خاضعًا للسلطة التنفيذية، ما يقوض أي إمكانية لتحقيق العدالة أو محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. وأكد أن غياب الاستقلالية القضائية أدى إلى تكريس الإفلات من العقاب، سواء فيما يتعلق بالانتهاكات المرتكبة ضد المعارضين، أو بملفات مصادرة الأراضي، أو بجرائم العنف ضد النساء.

وأشار المقرر الخاص إلى أن هذه البيئة القضائية الضعيفة تمثل أحد أكبر العوائق أمام أي تحسن ملموس في حالة حقوق الإنسان.

ورغم محاولات الأمم المتحدة لتقديم الدعم الفني وبناء القدرات، ذكر التقرير أن ضعف الإرادة السياسية لدى السلطات الكمبودية أعاق هذه الجهود. موضحا أن التشريعات المقيدة، واستخدام الأجهزة الأمنية أداة قمع، حال دون تنفيذ برامج فعالة لدعم حقوق الإنسان.

كما أشار إلى أن غياب التعاون الفعّال مع آليات الأمم المتحدة، وتردد الحكومة في قبول التوصيات الأممية، قلص من فرص المساعدة التقنية التي تهدف إلى تطوير مؤسسات الدولة وتعزيز الشفافية والمساءلة.

توصيات ملحة

واختتم المقرر الخاص تقريره بجملة من التوصيات، في مقدمتها الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. وتعديل القوانين المقيدة للفضاء المدني وحرية الإعلام، بما يضمن بيئة أكثر انفتاحًا وتعددية. ووقف عمليات مصادرة الأراضي والإخلاء القسري، والاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية. ومعالجة أزمة السجون عبر تحسين أوضاع الاحتجاز وتبني برامج إصلاحية.

كما أوصى المقرر الخاص بضرورة مواجهة شبكات الاحتيال عبر الإنترنت والعمل القسري بالتعاون مع المجتمع الدولي، وتعزيز استقلال القضاء وضمان المحاكمات العادلة، بما يرسخ مبدأ سيادة القانون.

وأكد المقرر الخاص أن نجاح كمبوديا في تحسين حالة حقوق الإنسان يتطلب تحولًا سياسيًا ومؤسسيًا عميقًا، يقوم على احترام الحريات الأساسية وضمان العدالة والمساءلة، بدلًا من السياسات الحالية التي تكرس المأزق وتمنح حصانة للمسؤولين عن الانتهاكات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية